الأحد، 2 يوليو 2023

رَغِمَ أنفُ امرئٍ أدرك أبوَيه فلم يَدخُلِ الجنة، فقلتُ: آمين، فقال: رَغِمَ أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغْفَرْ له، فقلتُ، آمِين)



 أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في بيان خُسْران من أدرك رمضان ولم يُغَفر له كثيرة، منها:

 
1 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رغِمَ أَنفُ (خاب وخسِر) رجلٍ ذُكِرتُ عندَهُ فلم يصلِّ عليَّ، ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبل أن يُغفَرَ له، 

= ورغمَ أنفُ رجلٍ أدرَكَ عندَه أبواهُ الكِبَر فلم يُدْخِلاهُ الجنة) رواه الترمذي وصححه الألباني.

 
2 ـ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ارْتَقى النبيُّ صلى الله عليه وسلم على المنبر درجةً فقال: آمين، ثم ارتقى الثانيةَ فقال: آمين، ثم ارتقى الثالثةَ فقال: آمين، ثم استوى فجلس، فقال أصحابُه: على ما أمَّنْتَ؟ 

 

= قال: أتاني جبريلُ فقال: رَغِمَ أنفُ امرئٍ ذُكِرْتَ عنده فلم يُصَلِّ عليك، فقلتُ آمين، 

 

= فقال: رَغِمَ أنفُ امرئٍ أدرك أبوَيه فلم يَدخُلِ الجنة، فقلتُ: آمين، فقال: رَغِمَ أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغْفَرْ له، فقلتُ، آمِين) رواه البزار وصححه الألباني.

 
3 ـ وعن جابر بن سَمُرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فقال: يا مُحمَّد! من أدركَ أحدَ والديْهِ فماتَ فدخلَ النَّارَ فأبعدَه الله، قُل: آمين، فقلتُ: آمين، قال: يا محمَّد، مَن أدرك شهرَ رمضانَ فماتَ فلم يُغْفَرْ لهُ فأُدْخِلَ النَّارَ فأبعدَه الله، قُل: آمين، فقلتُ: آمين، قال: ومن ذُكِرْتَ عندَه فلم يُصَلِّ عليكَ فماتَ فدخلَ النَّارَ فأبعدَه الله، قُل: آمينَ، فقلتُ: آمين) رواه الطبراني وصححه الألباني.
هذه الأحاديث النبوية فيها دعاء بالذل والصغار والخسران على كلُّ مَن بلَغَ أبَواه سِنَّ الكِبَرِ فلم يَجتَهِدْ في بِرِّهما، وكلُّ مَن أدرَكَ شَهرَ رمَضان فلم يتب ولم ويَجتَهِدْ في طاعة الله وعبادته حتَّى انتَهى الشَّهرُ ولم يُغفَرْ له. وكذلك مَن ذُكِرَ عِندَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ولم يُصَل عليه. وتأمينُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على دعاء جبريل عليه السلام وقوله: (آمين) في معنى الطلَب مِن الله أنْ يَستَجيبَ الدُّعاءَ بالخَيْبة والخُسران لِمَن لم يَفعَلْ هذه الأمور. قال الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن": "وكذا شهر رمضان شهر الله المُعَظَّم، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}(البقرة:185)، فمَنْ وجد فرصة تعظيمه بأن قام فيه إيمانا واحتسابا عَظَّمَه الله، ومَنْ لم يعظمه حقَّرَه الله تعالي".
فالمفرط في رمضان المضيِّع لمغفرة الله فيه، مستحقٌّ لهذا الدعاء، لزيادة دواعي الخير في هذا الشهر المبارك، وضعف دواعي الشرِّ، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم -: (إذا دخل رمضان فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب جهنم، وسُلسِلت الشياطين) رواه البخاري.

شهر رمضان اجتمع فيه مِنْ فضلٍ وخير ما لم يجتمع في غيره من سائر الشهور والأيام، فهو موسم غفران الذنوب وتكفير السيئات، شهر تفتح فيه أبواب الجِنان، وتغلق فيه أبواب النيران، ويُنادي فيه منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار في هذا الشهر، وذلك كل ليلة.. ومِنْ ثم فالذين دخلوا شهر رمضان وخرجوا منه مثلما كانوا قبله، دخلوا بالمعاصي وخرجوا بالمعاصي، ولم يورث هذا الشهر الطيب عندهم حرصا على الطاعات والعبادات، ولا إقلاعاً عن الذنوب والسيئات، فهؤلاء من الخاسرين المحرومين لأنهم لم يستفيدوا من رمضان.. فالخاسر حقاً هو مَنْ أدرك شهر رمضان ولم يتب فيه إلى الرحمن، ولم يجتهد فيه في عبادة الله، ولم يحافظ ويسارع فيه إلى العبادات والخيرات.. وأي خسارة وحِرْمان أعظم مِنْ أن يدخل المرء فيمن عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ عليه رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبلَ أن يُغفَرَ له). عن الحسن قال: "إن الله جعل شهر رمضان مِضماراً (سباقاً) لِخَلْقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون".

شهر رمضان تاج على رأس الزمان، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم ـ لِما علموه من فضل وعِظَم شهر رمضان ـ يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم هذا الشهر العظيم، ويدعون الله تعالى ستة أشهر بعده أن يتقبله الله منهم.. وشهر رمضان فرصة ذهبية ليبدأ الإنسان فيه صفحة جديدة من التوبة والاستقامة، والمحافظة على طاعة الله وعبادته، فهو شهر مَنْ رُحم فيه فهو المرحوم، ومن حُرِم خيره فهو المحروم، ومن فاز فيه بمغفرة الله فهو الفائز حقا.. ولِمَا في شهر رمضان من خير وفضل، كان دعاء جبريل وتأمين النبي صلى الله عليه وسلم بخيبة وخسران من أدرك رمضان ولم يقم فيه بما يوجب الغفران والعتق من النيران، قال جبريل: (يا محمَّد، مَن أدرك شهرَ رمضانَ فماتَ فلم يُغْفَرْ له فأُدْخِلَ النَّارَ فأبعدَه الله، قُل: آمين، فقلتُ: آمين).
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يصوم ويقوم شهر رمضان إيماناً واحتسابا، وأن يجعلنا من عتقائه من النار ومن الفائزين المقبولين..

آمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق